أتباع سنة الرسول صلي الله عليه وسلم
خطبة الجمعة للسيد علي رافع
حمداً لله ، و شكراً لله ، و صلاةً و سلاماً عليك يا رسول الله
.
الحمد لله الذي جمعنا على ذكره ، وعلى طلبه ، وعلى مقصود وجهه .
الحمد لله الذي جعل لنا بيننا حديثاً نتواصى فيه بالحق والصبر بيننا ، نتدبر فيه
أمور حياتنا، ونتدبر فيه أمر ديننا ، حتى نكون أكثر صلاحاً ، وأكثر فلاحاً ، وحتى
نكون فيمن قيل فيهم:
"
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ "
[العصر 3]
.
عباد الله :
إننا في مجتمعنااليوم ، وفي أمتنا ، وفي أرضنا ، نجد الكثير من التناقضات
ومن المواقف المتباينة ، ليس في ديننا أو في أمة المسلمين فقط ، ولكن كذلك في كل
الأديان وفي كل الأمم ، ونحن نستخدم لفظ الأديان هنا لأن هذا هو مصطلحٌ تعارف الناس
عليه ، أما في مفهومنا الحقي فليس هناك إلا دينٌ واحد ، دين الفطرة ودين الحياة ..
كل هذه الأمم تتخبط بين نصوصٍ توارثتها ، وتفاسير لها تناقلتها ، وبين واقعٍ قد
يتعارض أو تتعارض المصلحة فيه- كما يراها الإنسان اليوم- وبين هذه التفسيرات .
وعلماء الأمة والأمم- هم أنفسهم- لا يستطيعون أن يتخذوا موقفاً يساعد الناس في
حياتهم وفي سلوكهم وفي معاملاتهم ، وفقهاء الأمة هم فقهاء نقل ، ينقلون عن القدماء
، ويتصورون أن ما قاله السلف هو كل الدين ، هم غير قادرين على أن ينظروا إلى مصلحة
الأمة اليوم ، ويرجعوا إلى الأصول ، ويستخرجوا منها ما يساعدهم على أن يكون لهم
موقف يتناسب مع مصلحة الناس ، ومقاصد الشريعة التي خُلقت من أجل الناس .
وتعريف الفقيه عند ابن عربي مثلاً ، هو أنه الذي يستطيع أن يستنبط وأن
يستنتج ، وأن يتعمق في القراءات وفي النصوص ، حتى يستخرج منها ما يناسب الإنسان في
حاضره ، وليس هو الذي ينقل عن الآخرين أو يردد أقوال الآخرين ، فالناقل ليس
بفقيه ، والفقيه ليس بناقل . الفقيه هو من يستطيع أن يُعمل ما أعطاه الله من نعمة
العقل فيما بين يديه ، حتى إذا وصل إلى نفس الحكم السابق ، يكون ذلك مبنياً على
قدرته على استخراج هذا الحكم مما بين يديه ، هذا عائقٌ نشهده اليوم في مجتمعاتنا.
عائقٌ آخر يحول بين هؤلاء العلماء وبين أن يقوموا بدورهم ، هو تجمد المفهوم عن
علاقة العبد بربه ، وعن مفهوم الدين بالنسبة للإنسان - هذا يعوقهم إعاقةً كاملة عن
أن يخطوا خطوةً إلى الأمام - فالعلاقة بين العبد وربه هي علاقةٌ تعلو عن شكلٍ
يتصوروه ، بين سيدٍ وعبدٍ كما يروهم في هذه الحياة الأرضية ، فأمر الله إلى الإنسان
هو كاشفٌ عن قانونه ، وطاعة العبد لربه هو تطبيقٌ للقانون .
والقانون يوم ننظر إليه نجده قانوناً محكم ، فَلِيَتَحقق أمرٌ ، يجب أن تتوافر
لهذا الأمر أسبابه المختلفة . فإذا أردنا أن نزرع شجرةً ، نريد أرضاً صالحة وبذرةً
صالحة وجواً صالحاً وماءً صالحاً ورعايةً مستمرة ، فإذا نقص أي سببٍ من هذه الأسباب
، لم تخرج الشجرة بالصورة الكاملة . والإنسان كذلك من الناحية الروحية ، فهو يحتاج
أن يكون أرضاً صالحة ، أرضاً طاهرة ، نفساً زكية .. في هذه الأرض يكون قلبه فيه
ذرةُ وبذرةُ الحياة ، يعيش في جوٍ صالحٍ ، في جماعةٍ صالحة ، ويتعرض لنفحات السماء
، فيتلقى ماءً طاهراً . فإذا كان الإنسان ليس مُعداً ، وكان قلبه ميتاً ، فمهما
تعرض لماءٍ ولنفحاتٍ ، فلن يؤثر هذا فيه . فإذا كانت العبادات هي التعرض لنفحات
الله ، ولكن الإنسان قلبه غير حي ، فعباداته لا قيمة لها ، ومهما عددها وأحصاها ،
فهي لا قيمة لها .
وتطبيق الإنسان لقانون الله ، هو تطبيقٌ متكامل يحتاج إلى علم ، يحتاج إلى
معرفةٍ ، أما إذا سطحنا المعارف ، وجعلنا عبادة الله على حرف -كما يحدث الآن - فلا
نستطيع أن نتقدم خطوةً إلى الأمام ، سوف نأخذ من الآيات حروفاً وأشكال منعزلةً
بعضها عن بعض ، ونتصور أننا بهذا نطبق قانون الله ، كمن يروي أرضاً ليس بها بذور ،
ويقول إنني أطبق قانون الله . إننا في حاجةٍ إلى تغييرٍ جذري في مفهوم علاقتنا
بالله ، وأن نقرأ ذلك جيداً من نصوص قرآننا ، حتى نتعلم كيف نكون عباداً لله .
إن هذا المفهوم في العقيدة ، في شهادة أن لا له إلا الله ، في شهادة أن
محمداً رسول الله ، هذا المفهوم الأساسي هو الذي يمكننا من أن نتغير ، وأن نغير ما
بأنفسنا .. هذان الأمران هما الأساس الذي يمكن أن نبني عليه ، بل أنهما التطبيق
الحقيقي- في مفهومنا- لشهادة لا إله إلا الله ، ولشهادة أن محمداً رسول الله ..
شهادة أن لا إله الله ، هي التي تعطينا القدرة على الحرية وعلى الحركة وعلى التفهم
وعلى الفهم وعلى العلم ، فليس هناك شكلاً نعبده ، وليست هناك صورة نقدسها ، وإنما
هناك الله الذي ليس كمثله شيء ، أوجد فينا سره ، ونفخ فينا من روحه ، وحمّلنا
الأمانة:
"أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى "
[طه 50]
علينا أن نُعمل عقولنا ، وأن نتدبر نصوصنا ، وأن نفهم علاقتنا بربنا . وعلينا كذلك
أن نشهد أن محمداً رسول الله ، وشهادتنا حقاً لمحمدٍ رسول الله ، هو في أن نستقيم
في أمرنا ، وفيما أعطانا الله من نعمة:
" وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ "
[الضحى 11]
"
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ"
[القلم 4]
نُعمل عقولنا وقلوبنا.
إننا في حاجةٍ أن نرجع إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وإلى شهادة أن محمداً رسول
الله ، نرجع إليهما، فنحسن فهمنا فيهما ، ونقوم فيهما حقاً . ومن هنا نبدأ تغييراً
جذرياً في أمور حياتنا ، وفي أمور معاملاتنا ، حتى نكون حقاً أهلاً لرسالة السماء ،
وأن نكون بدايةً لخير أمةٍ أخرجت للناس ، لا بالتعصب ولا بالعصبية ، ولا بالأفضلية
العرقية أو المكانية أو اللغوية ، وإنما بالمفهوم الإنساني ، بمفهوم دين الفطرة ،
دين الحياة ، الذي هو دين كل إنسانٍ على هذه الأرض يريد أن يحيا , ويريد أن يكون
حقاً في معنى العبودية لله .
نسأل الله أن يحقق لنا ذلك , وأن يجعلنا أهلاً لذلك .
فحمداً لله ، وشكراً لله ، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله .
=================
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله .
عباد الله :
ما أردنا أن نقوله اليوم : هو أن علينا أن نرجع إلى عقيدتنا ، وإلى أول ما أُمرنا
به ، من شهادة أن لا إله إلا الله ، فننزه علاقتنا بالله عن أي شكلٍ وعن أي صورة ،
وأن نفهم أن علاقتنا بالله هي في احترامنا لما أوجد الله فينا ، فلا نفرط في عقولنا
وفي قلوبنا وفي ضمائرنا وفي نعم الله علينا . نتعلم أن كسبنا لا يكون بالتقليد ولا
يكون بالترديد ، وإنما يكون في الإدراك وفي العمل ، ولا يكون هناك إدراك إلا بالعلم
والمعرفة ، ولا يكون هناك أثر للعلم إلا بالعمل ، إلا بتطبيق هذا العلم ، وهذا هو
معنى شهادة أن محمداً رسول الله ، وشهادة محمدٍ رسول الله تعني تطبيق العلم الذي هو
قانون الحياة ، والذي نصل إليه بشهادة أن لا إله إلا الله .
فشهادة لا إله إلا الله تفتح لنا آفاق العلم والمعرفة بلا حدود ، فلا تقيدنا لشكل
، ولا تقيدنا لرسم ، ولا تقيدنا لإنسانٍ آخر:
" قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ولا يتخذ
بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله"
[آل عمران 64]
هذا هو الأساس الذي ينطلق منه الإنسان، إلى آفاقٍ رحبة من العلم والمعرفة ، تجعله
أكثر إدراكاً لمعنى وجوده ولمعنى حياته ، تجعله يبحث عن كل ما يمكنه أن يعرفه على
هذه الأرض:
" قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق" .
فإذا أردنا أن نطبق هذه المعارف وهذه العلوم ، فعلينا أن نقتدي برسول الله صلوات
الله وسلامه عليه، إقتداؤنا به هو اقتداءٌ في المنهج وفي الأسلوب ، أكثر من اقتداءٍ
في الشكل والصورة، فسنة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، يجب أن نقرأها قراءةً
منهجية ، ولا نقرأها قراءةً حرفية . قراءتنا المنهجية لها ، تجعلنا ندرك كيف نطبق
ما نصل إليه من العلم والمعرفة ، ففي أمور الدنيا:
"وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ "
[الشورى 38]
و"أنتم
أدرى بشئون دنياكم"
وتحدث مواقف كثيرة ، يرجع رسول الله صلوات الله وسلامه عليه عما قاله ، يوم يستشير
أصحابه ، أو يوم تظهر تجربة تؤكد أن علينا أن نتخذ شكلاً آخر ، فلا غضاضة عنده في
أن يتبع ما هو أحسن وأفضل وأقوم ، فهو هنا يتجلى بصورته البشرية ، وما محمدٌ إلا
بشر ، وهذا تكريمٌ للبشرية ، ولكن في نفس الوقت يعلمنا أن علينا أن نعرف أن هناك
أمورٌ مادية ، يتغير الحكم فيها وتتغير الأحوال التي تتناولها ، بمدى معرفتنا عن
أمور دنيانا ، فإذا عرفنا أمراً من أمور دنيانا ، يوضح لنا أن الأفضل في أمرٍ كنا
نجهله قبلاً ، وكنا نقوم به قبلاً ، علينا أن نتغير معه ، وهذا هو اتباع سنة رسول
الله صلوات الله سلامه عليه .
وليس الإتباع هو أن نقلد تقليداً أعمى ، إذا كانت هناك أمورٌ لا نستطيع أن نتبين
فيها جديداً نشهده اليوم ، فإن إتباعنا في هذه الحالة لما هو مقبولٌ عندنا من
توجيهٍ نبويّ - هو في مقدار مفهومنا له - في صورةٍ ، هي أفضل في مجتمعنا ولمجتمعنا
، وهذا هو الإتباع
الحقيقي . إن الإتباع الحقيقي ليس في مجرد ترديد كلماتٍ ، هي بالنسبة لنا لا تعني
إلا حروف ، نريد أن نطبقها شكلاً وصورةً ، دون أن نعي معناها ومغزاها.. إن إتباع
سنة رسول الله
صلوات الله وسلامه عليه ، هي في الاستقامة فيما هو أفضل وأحسن للإنسان ، على ما
يشهده المجتمع ، وعلى ما تشهده الأمة . وهذا هو معنى الأمة التي تأمر بالمعروف
وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله ، لا في أنها تردد جميعها كلماتٍ جوفاء ، فهذه ليست
أمة ، إنها ببغاوات . أما الأمة التي تأمر بالمعروف ، فهي الأمة القادرة أن تستوعب
معنى الكلمات التي قالها لها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، وتستطيع بتشاورها
وتواصيها بالحق والصبر بينها ، أن تصل إلى ما هو أحسن وأقوم ، في إطار هذا المعنى
الكلي ، الذي هو خير البشرية ، وخير الإنسانية ، في حياتها الدنيا ، وفي حياتها
الأخروية .
عباد الله :
إن علينا أن نخرج من هذا الإطار الضيق ، الذي حصرنا أنفسنا فيه ، وعلينا أن ننطلق
في رحابٍ أوسع ، نستطيع فيها أن نكون حقاً هذه الأمة ، التي تأمر بالمعروف وتنهى عن
المنكر وتؤمن بالله .
نسأل الله أن يحقق لنا ذلك ، وأن يجعلنا كذلك .
اللهم وهذا حالنا
لا يخفى عليك ، تعلم ما بنا ، وتعلم ما عليه الناس حولنا .
اللهم ونحن
نتجه إليك ، ونتوكل عليك ، ونوكل ظهورنا إليك .
اللهم ونحن نطمع في رحمتك ، ونطمع في جودك ونعمتك ، ونطمع في فضلك وحكمتك .
اللهم فاجعلنا لك خالصين ، لوجهك قاصدين ، معك متعاملين ، عندك محتسبين .
اللهم اكشف الغمة عنا ، وعن بلدنا ، وعن أرضنا .
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا ، وشرور الأشرار من حولنا .
اللهم
ألف بين قلوبنا اللهم احيي قلوبنا
اللهم ألف بين أرواحنا اللهم طهر أرواحنا
اللهم زكي نفوسنا اللهم اثلج صدورنا
اللهم كن لنا في الصغير والكبير من شأننا .
اللهم كن لنا فيما نعلم ، وفيما لا نعلم، وفيما أنت به أعلم .
اللهم ارحمنا ، واغفر لنا ، واعف عنا.
يا
أرحم الراحمين ارحمنا ، يا أرحم الراحمين ارحمنا ، يا أرحم الراحمين ارحمنا .